اعتبر الإسلام الحبّ قيمة عُليا في رسالته، وهدفاً سامياً من أهدافه، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه، وتكوينه في النفس البشرية، وإشاعته في المجتمع، وبناء الحياة على أساس الحبّ والمودّة.
هل الإسلام إلاّ الحبّ، ألا ترى قول الله عزّ وجلّ: «قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم» آل عمران 31. أوَلا ترى قول الله عزّ وجلّ، لرسوله صلى الله عليه وسلم: «حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم» الحجرات 7. وقال: «يحبّون مَن هاجر إليهم» الحشر 9. ونعرف قيمة الحبّ في الإسلام من تعريف الإسلام للحبّ.. نعرفه عندما يعرِّف الإسلام نفسه بأنّه الحبّ، وبأنّ الحبّ هو الإسلام.. وأنّ قيمة كبرى يسعى لتحقيقها في الحياة هي الحبّ.. حبّ الله، وحب الحق، وحبّ الخير، وحبّ الإنسان.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم» متفق عليه.
لنقف طويلاً عند هذا التعريف الذي حمله إلينا الحديث الشريف، ولنتأمّل في مفاهيمه الحضارية وقيمته الكبرى في حياة الإنسان، لنعرف كم هي الحاجة إلى تمثّل هذه القيمة الحضارية، وتحويلها إلى سلوك وممارسات في حياة الإنسان.
هذا التعريف الفريد في عالَم الإنسان للدِّين والحبّ، يعرِّفنا بمحتوى الدِّين ومحتوى الحبّ.. فالدِّين حبّ لله وللناس وللخير، والحبّ مقدّس عندما ينطلق من حبّ الله، عندما ينطلق من حبِّ الخير المطلق والجمال المطلق.
ويتجسّد الحبّ في مجالين اثنين، هما: المجال الحسِّي: وهو الحبّ المألوف في عالَم الإنسان، وثانيهما المجال الروحي: وهو الحبّ الرّوحي المتمثِّل في حبّ الإنسان لله وللقيم والمعاني المجرّدة، كقيم الحق والعدل.
والإنسان كما هو عقل وإرادة، هو مشاعر وعواطف ووجدان، وهو نفس وروح، كما هو جسد وأجهزة مادِّيّة، تعمل وفق قوانين بيولوجية وفسيولوجية.
والحبّ حالة نفسيّة وعاطفية تنبع من أعماق الإنسان لتمنحه السعادة والهناء، وربطه بالمحبوب ارتباط الانسجام والرِّضى والتوافق، حتى يكاد المحبّان أن يتّحدا، إذا ترسّخ الحبّ، وتحوّل إلى شعور باحتواء المحبوب. فيشعر المحبّ، فيما وراء الوعي أن لا إثنينيّة بينهما. فهما حقيقة واحدة، وذاتان مندمجان في ذات النفس. والحبّ هو رابطة روحيّة، وإحساس نفسي، وشعور وجداني يعيش في أعماق النفس، ويتّخذ أشكالاً شتّى من التعبير، كالثناء والتحيّة والمصافحة والنصيحة ورفع الأذى، والهديّة والمصاحبة في السّير والزيارة، وبتبادل كلمات الود، والعيش في مكان مشترك.
كم هي البشريّة بحاجة إلى حبّ الإسلام، الحبّ المجرّد من الرِّبح والحساب المادِّي، الحبّ الرّوحي والعاطفي الصّادق..
لم تكن مفاهيم الحبّ، قيماً فلسفيّة مُجرّدة، بل جسّدها الإسلام منهجاً عمليّاً يستوعب قلب الإنسان وروحه وعقله وحسّه ونشاطه وغرائزه. فالحبّ في الإسلام هو: حبّ الله.. حبّ الوالدين.. حبّ الزّوجة.. حبّ الأبناء.. حبّ الحاكم العادل.. حبّ الوطن والأرض.. حبّ الحاكم للاُمّة.. حبّ الأرحام.. حبّ النّاس.. حبّ الجمال.. حبّ الطّبيعة.. حبّ العلم.. حبّ الخير.
ومن حبّ الله يبدأ الحبّ في الإسلام.. وضّح القرآن هذه الحقيقة الجوهريّة في عمق الإسلام، بقوله: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله». (آل عمران 31).